يمثل كتاب هيئة الدواء المصرية «مصر والدواء… رحلة عبر الزمن» غوصا في أعماق الحضارة المصرية؛ تلك الحضارة التي لم تكن يوماً حبيسة الماضي، بل ظلت تنبض بالحياة على مر العصور، وتخاطب الحاضر، وتلهم المستقبل.

 فمن معابد كيمت وبردياتها الطبية، إلى تمثال نهضة مصر وموكب المومياوات والمتحف المصري الكبير، تتجلى عبقرية شعب صاغ تاريخه بالعلم والكفاح، وجعل من الطب والدواء أحد أنقى تعبيراته الحضارية والإنسانية.

لقد آمن المصري منذ فجر التاريخ بأن العلم طريق الخلود، وأن الطب والدواء رسالة رحمة ومحبة، فكان إمحوتب رمزًا لعقل حضاري تجاوز زمنه، وهو أبو الطب الأول، وكانت بسشيت أول كبيرة ملكية في تاريخ البشرية، وكانت مصر منبعا للمعرفة الطبية التي أفادت منها الحضارات القديمة وأسهمت في تشكيل الوعي الإنساني.

ومن هذا الزخم الحضاري العميق، تأتي رسالة كتاب هيئة الدواء المصرية «مصر والدواء… رحلة عبر الزمن» لتوثق مسيرة الدواء في مصر عبر العصور القديمة، ونهضة مكتبة الإسكندرية العلمية والطبية، ودور الأديرة في الحفاظ على الإرث الدوائي لمصر القديمة، مرورا بازدهاره في البيمارستانات في العصور الإسلامية، ثم عصر النهضة الحديثة مع محمد علي باشا، وصولاً إلى الجمهورية الجديدة وإنجازاتها الكبرى في صناعة الدواء، ومكافحة الأوبئة، وإنشاء مدينة الدواء المصرية، واعتماد هيئة الدواء المصرية دولياً من منظمة الصحة العالمية.

فهذا الكتاب ليس سردا تاريخياً فحسب، بل وثيقة حب ووفاء لأمة جعلت من العلم طريقاً للحرية، ومن الدواء رسالة حياة، ومن الحضارة نبراسا يقود نحو مستقبل أكثر عدلا وسلاما.